الخميس، 17 ديسمبر 2009

مذكرات كوب قهوه امريكيه



مذكرات كوب قهوه امريكيه
بقلم : أيمن صلاح




كان كوب القهوة مستقرا بمسكنه الدائم الدافئ بالخزانة العلوية فى مطبخ الشركة , كانت عقارب الساعة المتسارعة تتسابق لتصل للساعة الثامنة و النصف صباحا ميعاد بداء العمل فى الشركة , كانت مهمته بأختصار هى المساهمة فى ايقاظ الأستاذ علاء صاحب المزاج المتقلب المائل الى الغضب لأتفه الأسباب , فى كل مرة يعد عم سعيد القهوة الأمريكية الخاصة بعلاء كان يضيف 4 ملاعق من البن الخاص به و ماء مغلى فقط , و يقدمها ساخنة , كان علاء دائما يشكره بطريقة ميكانيكية و ابتسامة سرعان ما تتبخر.
لسبب ما لا يعلمه عم سعيد قرر ان يغير الطريقة التى يعد بها قهوة علاء الصباحية ربما لأن دائما بداية فصل الشتاء تبعث فيه سعادة خفية , او ابتسامة الطفل فى مترو الأنفاق و هو فى طريقه للعمل لم يكن يدرى سبب السعادة التى تغمر جنبات روحه , قرر ان يعد كوب القهوة الخاصة باستاذ علاء بشكل لم يفعله من قبل , قرر ان يشاركه السعادة التى تغمره حتى و لو فى كوب قهوة امريكية .

أضاف عم سعيد مسحوق القهوة الى الكوب و اضاف الماء المغلى المعتاد , لم يكن يفهم معنى ان تشرب قهوة بهذه المرارة فى الصباح , قرر ان يضيف 3 ملاعق من السكر دفعة واحدة , اندفعت الى ذاكرته مشاهد أحد غضبات علاء المتكررة تذكر عندما ينطلق الشرر من عينيه , و لكن لم يثنيه هذا عن تقليب السكر فى القهوة, بالرغم من شخصية علاء القوية الشرسة لكن عم سعيد يراه يعمل بدون كلل و يرهق جسده النحيل , اللبن الحليب سيسعاده حقا فى تجاوز الأرهاق الدائم الذى يحس به من العمل, اضاف القليل من الحليب الى كوب القهوة , كانت الشركة تستقبل الكثير من الخبراء الأجانب و كانوا دائما يضيفو القليل من القرفة للقهوة , كان عم سعيد مؤمنا تماما بأن للقرفة دفء نابع من طعمها , اضاف القليل منها الى القهوة , صدحت الرائحة تملاء المطبخ دفء و محبة , كوب القهوة صار شياء أخر تماما , كان عم سعيد فى قمة النشوة من هذا النجاح الصباحى , أخدته النشوة الى حدود لم يرتقى اليها من قبل , قرر اضافة المكون الأخير للوحته الصباحية , قطعة من الشيكولاتة بالبندق , كانت هذه الأضافة محض جنون بانسبة لعم سعيد و لكن القليل من الجنون يجعل الحياة اكثر جمالا , حمل الكوب و توجه مباشرة الى مكتب علاء.

لم يقف عقل عم سعيد عن العمل طوال الثوانى القليلة التى كانت تفصله عن مكتب علء , فكر عدة مرات فى العودة و عمل كوب القهوة المعتاد , زيادة عدد الوظفين يهدد بانتشار اكبر لثورة غضب تتحدث عنها الشركة لأيام, و لكن لا يهم ما هو الغضب فى حالة مقارنته بسعادة علاء , وضع كوب القهوة فى عجالة على مكتب علاء و سار بسرعة كأنه يهرب من المواجهة المرتقبة .

و لكن هيهات سمع صوت علاء حادا كالسياط يناديه عم سعيد , عاد اليه فسأله علاء ما هذا فرد عم سعيد و قد بدا العرق يتسلل الى جبينه هذه قهوة خاصة جدا بمناسبة اليوم , رفع علاء الكوب الى فمه و ارتشف أول رشفة لم يظهر وجهة اى ردة فعل , تخيل لعم سعيد انه يرى بريق جديد فى عينيه , لا يمضى الزمن يقف معلقا فى ماكتب الشركة الى ما لا نهاية , ارتشف رشفة ثانية أعمق كأن علاء يريد ان يتأكد من الذى يحدث فى عالم كوب القهوة المفضلة اليه , اطلت ابتسامة من عينييه , احتلت جميع خلجات وجهه , كأنه طوفان من السعادة غمر روحه مع القهوة , قام و سلم على عم سعيد قائلا هذه اول مرة فى حياتى ,اتذوق مثل هذه القهوة كيف اعددتها و ما هى المكونات , رد عم سعيد هذه هى قهوة الحياة ليست صعبة و لكنها تعتمد على عناصر كثيرة قد تبدو غير متناسقة و لكنها فى النهاية تسعدنا و تعطينا القوة .

عاد عم سعيد الى المطبخ مبتسما و استمتع علاء بالقهوة و لم يتوقف عن شربها بهذه الطريقة بقية عمره